آلسـلآمـ عـليـكـمـ ـؤـرحـمـة آللهـ ـؤبــركـآتـهـ
1 ـ مقدمة في التربية الاسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
أول ما نبحثه في هذا الموضوع ، هو ان نرى أصل استعمال عبارة التربية الاسلامية هل هو صحيح ام لا ؟ وهل يمكننا التحدث عن التربية من وجهة نظر اسلامية أم لا ؟ ان الاجابة على هذا السؤال تتوقف على التصور الذي نحمله عن الاسلام ، فيجب أن ـ نرى ـ أولا ما هي النظرة التي نحملها تجاه الاسلام ؟ وما هو تقييمنا له كدين وعقيدة ؟
فالاسلام ـ كما نراه ـ شريعة الهية حضارية ، أو دين له نظام شامل ينطوي على كل الابعاد والافاق الخاصة بحياة الانسان ، وله رآيه في جميع الجوانب الاجتماعية لحياة الانسان الاقتصادية والسياسية والثقافية ، سواء المعنوية منها أو الاخلاقية ، وهو يقدم لنا نظرية في الحقل التربوي بأعتباره واحدا من شؤون الحياة الانسانية بل ان عماد الاسلام هو التربية ، وان الاسلام دين التربية وبناء الانسان. نعم اننا لو اعتبرنا الاسلام دينا الهيا كاملا وخاتما للاديان ، فسنرى ان بأمكان تعاليمه ان تقدم آراء جديدة في جميع آفاق الحياة ، سواء المتعلق منها بالماضي أم بالحاضر والمستقبل ، ومن جملة ذلك الجانب التربوي أيضا.
(7)
النظام التربوي في الاسلام
يرى المتخصصون في الدراسات الاسلامية ، ان للاسلام نظاما في جميع الشؤون السياسية والثقافية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وحتى المعنوية والاخلاقية. ومقصودنا من النظام ـ هنا ـ هو مجموعة التعاليم ، والتوجهات المنسجمة مع بعضها في طرح المواضيع المختلفة وأحد هذه النظم ، هو النظام التربوي ، وهو ـ كما نراه نظاما بناء سواء في البعد الفردي ، او البعد الاجتماعي ، اذ يتمكن الانسان في ظله من بناء ذاته ، وتزكية نفسه. أما في البعد الاجتماعي فهو ( الاسلام ) كفيل بترية الافراد الصالحين ، القادرين على العيش سوية في منتهى الوئام ، والسلام ، والاستقرار ، والتعاون ، والتكافل. ويتسم هذا النظام بسعة النظر ، والرؤية الكونية الراقية ، وبشكل لم يهمل اي شأن أو بعد من شؤون الحياة الانسانية وأبعادها الكثيرة ، او يقتصر في بيان جانب من جوانبها.
ملامح هذه الرؤية الكونية :
نجد في النظام الفكري الاسلامي سعة نظر فريدة من نوعها ونستشف منها ما يلي :
1 ـ ان هذا العالم بكل عظمته وسعته ، هو خلق الله وملك يده.
2 ـ ان الطبيعة بكل أبعادها وجوانبها ، هي كتاب الخلقة الواسع.
3 ـ ان حركة ومسار جميع الظواهر والتفاعلات قائمة على نظام العلة
(
والمعلول.
4 ـ ان الانسان مخلوق لذلك الخالق ، وهو أفضل من كثير من المخلوقات.
5 ـ وبما انه يشكل حلقة ضمن هذا النظام ، يتوجب عليه القيام بالسعي ، والتحرك الهادف.
6 ـ وهو أيضا مكلف وملزما ببناء ذاته ، وبناء الاخرين.
7 ـ ملتزم بالتدبر والتعمق في الامور ، والاخذ بما ينفعه وينفع مجتمعه.
8 ـ له أبعاد عديدة في هذا الوجود ، وكل واحد منها مصدر لكثير من الخيرات له وللمجتمع.
9 ـ أنه ليس موجودا ماديا محضا ، بل فيه نفحة من روح الله.
10 ـ ليس له القدرة على تسخير كل ما في السماء وما في الارض.
11 ـ بميسوره التسامي الى ما لا نهاية.
12 ـ لاتنحصر حياته على هذه الدنيا ، بل تمتد الى العالم الاخر.
13 ـبامكانه الاستفادة من جميع الظواهر ، يشرط ان يسلك طريق التكامل.
14 ـ ان امكانية التكامل متاحة لجميع الناس ، وبدرجات متفاوتة ، وعلى عدد الانفس البشرية.
وجهة التربية :
1 ـ يعتبر عمل المعلم في هذا النظام اكمالا واستمرار لعمل وطريق الانبياء.
(9)
2 ـ ان طريق التربية هو نفس طريق الفطرة ؛ وآحيائها يقع على عاتق المربين.
3 ـ ان التعليم ضروري والتزكية مقدمة عليه.
4 ـ يجب تقويم مسار الانسان نحو الاتجاه المطلوب ، والمطلوب هو ما يرتضيه الشرع.
5 ـ يجب ان تنصب كل الجهود والمساعي على توجيه الانسان الى السير الى الله.
6 ـ ان عمل المربي هو ترغيب الانسان بلقاء الله.
7 ـ يجب الاهتمام بالعلم ، ولكن الموجه منه فقط والمعمور بالايمان.
في النظام التربوي الاسلامي :
يعترف هذا النظام بدور كل من الوراثة والمحيط ، على حد سواء فنجد في التعالم الاسلامية تأكيدا واضحا على اختيار نوعية الزوجة ، ليكون المولود منها خاليا من النواقص الوراثية ؛ هذا من جهة ، فان التعاليم الاسلامية تؤكد ومن جهة اخرى على دور البيئة بالمعنى العام للكلمة ، بما في ذلك شروط الغذاء ، وظروف المناخ ، وأجواء المخالطة ، والاوضاع السياسية والثقافية و .... الخ والسبب الكامن وراء التأكيد على اهمية الوراثة ودور البيئة ، هو ان التربية السليمة والبيئة الصالحة يمكنها ازالة التأثيرات الرديئة ، والعكس صحيح أيضا ، اذ ان البيئة الموبوءة يمكنها الغاء الصفات الوراثية الايجابية.
يرى الاسلام ان اغلب الصفات والطبائع الخلقية ، وكل ما يستوجب
(10)
الثواب والعقاب تنتقل من البيئة الى الفرد ، وهذا هو سبب اهمية وضرورة بعث الانبياء وعمل المربين.
مصادر التعاليم التربوية :
ان المصادر الاربعة التي سنشرحها تباعا لا تخص بأمر التربية فقط ، بل تعتبر المصدر الوحيد لكافة التشريعات السياسية والاقتصادية والمعنوية والاخلاقية. ولما كان هذا الدين منزلا من الله تعالى ، والمؤتمن عليه هو النبي (ص) ، ومفسروه هم الائمة عليهم السلام ، وهؤلاء لهم معصومون من الخطأ والزلل ، اذن يمكن هنا تحديد تلك المصادر الاربعة للتربية كما يلي :
1 ـ القران : وهو كتاب الله ، وأوثق سند اسلامي ، والمصدر الرئيسي لجميع الاحكام والقوانين ، ولا يثبت امام احكامه حكم او راي.
2 ـ السنة : وتشمل قول وفصل وتقرير المعصوم ؛ ودورها بالنسبة للقران هو دور التفسير وطرح المصاديق.
3 ـ اجماع صلحاء الامة من الفقهاء العارفين بمصادر السنة ، والمعروفين بصدق القول والسداد ، بشرط ان يطرحوا من الاراء ما لا يعارض النص والسنة ، وان تتفق آراؤهم بالاجماع حول حكم ما.
4 ـ عقل الصالحين والاخيار وأهل الخبرة والفقهاء ، بشرط امتلاكهم الاسس والمبادئ المستمدة من القرآن والسنة.
موضوع التربية :
موضوع التربية هو الانسان بكل أبعاده الوجودية التي تصفها التعابير
(11)
الاسلامية بأن عددها بعدد أبعاد عالم الوجود ، ويمكن تلخيصها في الابعاد الثلاثة : البدن ، والروح ، والذهن.
أما بشأن الاسئلة المطروحة عن ماهية الانسان ، فهنالك اجابات متعددة بهذا الشأن. ويمكن القول عموما : بانه كائن مركب من المادة والمعنى ، منشأه ترابي ، وفيه نفحة ربانية ؛ له أبعاد علوية وسفلية ؛ قابل للتغيير ؛ ولديه استعداد لتحمل المسؤولية ؛ ملتزم ؛ بامكانه الوصول الى ذروة الكمال ؛ وفيه بذور القدرة على الحياة الفردية والجماعية ؛ لديه عقل وشعور ؛ ويمتلك القابلية على التفكير والارادة ، والقدرة على اتخاذ القرار ؛ مهيأ ومهيء للتسامي والتسافل على حد سواء ؛ وخلق من ماء وتراب وفيه طبائع من كلا المادتين ؛ كائن عجول وحريص ؛ اذا مسه الشر جزوع ؛ مناع للخير ؛ بخيل ؛ طماع ؛ طويل الامل ؛ له ابعاد غريزية ؛ متمرد وطاغ ... الخ.
نفخ فيه من روح الله ، وعلى هذا الاساس ففطرته مجبولة على معرفة الله وحب الخير والاحسان ، والتقوى والايثار ، والعدالة والتضحية ، والافاق الملائكية السامية.
بذور التكامل في الانسان :
ان بذور التكامل متوفرة في الانسان على الصعيدين الجسدي والروحي. فعلى الصعيد المادي خلق الانسان من تراب وماء ، واجتاز مراحل تكامله الواحدة تلو الاخرى ، من التراب الى النطفة ، ومن النطفة الى العلقة ، ومن العلقة الى المضغة ، ثم نشوء العظام في المضغة ، ثم اكتسائها باللحم ... الخ ، حتى يصير انسان كاملا.
(12)
وعلى الصعيد الروحي يمكنه استثمار ما يتهيأ له من التربية من قبيل الاذن والعين ، والفهم والادراك ، والحواس الظاهرة والخفية ، والاستفادة والتعبير ، حتى يمكنه ان يبلغ بذلك درجة اسمى من الملائكة ، فيدرك مقام القرب ويفوز بلقاء الرب.
وعلى صعيد تكامله الجسدي فتتوفر مستلزماته الخاصة به ايضا ، فهو يتحول من التراب الى النطفة حيث يدخل عالمه المحدود في رحم الام ، ثم ينتقل من هناك الى رحم الدنيا ، ثم يولد بعد الموت من جديد ويدخل عالم الاخرة ويرجع الى الله.
يتلخص عمل المربي في توفير الوسائل والامكانيات التي تتيح له السير في هذا الطريق ، ومن ثم تقويمه بالاستفادة من الوسائل المختلفة ، ومن خلال استخدام مختلف الفنون والاساليب.
(13)
في تربية الانسان
للانسان ثلاث صفات وخصائص :
1 ـ الصفات الذاتية : المنبثقة عن الخلقة والوراثة ، وهو ليس مسؤول عنها.
2 ـ الصفات والخصائص التي اكتسبها طوعا واختيارا أو عن طريق تهيئة مستلزماتها ، وهو مسؤول عنها.
3 ـ الصفات والخصائص التي اكتسبها لا اراديا من البيئة التي يعيش بها ، وهو ملزم بتهذيب نفسه من رذائلها ، والتحلي بفضائلها. ان الانسان مسؤول في جميع الاحوال عن نفسه وعن اصلاحها كمسؤولية الوالدين والمربين تجاهه. ويجب ان يفرض امر التربية عليه فرضا ، لان افتقاره للتربية يجعل منه انسانا لا اباليا ، بل وفي ذلك خطورة عليه ، وما اكثر المخاطر والعواقب الوخيمة المترتبة على انعدام التربية.
العوامل الداخلية المساعدة على التربية :
هنالك عوامل داخلية متعددة تساعد المربين والمسؤولين على تربية الاشخاص. بعض هذه العوامل يتعلق بذات الشخص ، وبعضها الاخر له علاقة بالمربي. ويمكن استعراض نماذج من تلك العوامل كما يلي :
1 ـ الارضية الفطرية أو الفطرة السليمة ، وتمتاز بالشفافية والقرب من
(14)
مصدر الفضائل.
2 ـ حب الاستطلاع ووجوده في نفس الانسان فطري ، وبأعتقاد البعض غريزي.
3 ـ حب الذات وهو ما يدفعه لكسب كل منفعة لنفسه.
4 ـ الرغبة في الرقي ، وهي رغبة نابعة من حب الذات وفيها مصلحة كبرى له ، فهي تدفعه دوما الى التطور والتكامل.
5 ـ حب العدل ، وكره الظلم والظالم ، والتعاطف مع المظلوم ، والرغبة في التضحية والايثار ، وطلب الحق ... الخ.
على من تقع مهمة التربية ؟
من البديهي ان التربية حق من الحقوق ، الطفل والتهاون فيها تقصير بحقه ، وقد وردت روايات واحاديث عديدة تؤكد صحة هذا ، المعنى ، ولكن على من تقع هذه المسؤولية ؟ وقبل الاجابة على هذ السؤال ينبغي ان نعرف أولا لمن تعود ملكية هذا الطفل ؟
ـ الطفل ليس ملكا للدولة كما يصرح بذلك انصار الفكر الشيوعي.
ـ الطفل ليس للمجتمع كما يعتقد انصار الاشتراكية.
ـ الطفل ليس ملكا للوالدين ، لانه لايحق لهما استخدام ما يشاءان من اساليب التربية.
ـ والطفل ليس ملكا لنفسه حتى يستطيع اتخاذ اي قرار بشأن نفسه وكما يحلو له.
يعتبر الطفل من وجهة نظر الاسلام ملكا لله ، وهو امانة بيد الدولة
(15)
والمجتمع والناس والوالدين ونفسه ، وتقع مسؤولية تربيته وتوجيهه الوجهة السليمة على الوالدين اولا ، ثم عليه هو شخصيا ، وواجب الدولة والمجتمع هو تقديم الخدمات له في سبيل تكامله. فلا يستساغ قتله ، أو معاقبته ، أو سجنه الا في اطار القانون والمعايير الدينية ، ومعنى ذلك عدم جواز اتخاذ اي قرار بشأنه.
استمرار حق التربية :
حق الطفل في التربية أمر مقطوع به ، واداؤه من قبل الابوين واجب ، وتقع على عاتق أفراد المجتمع مسؤولية بناء شخصيته. فان تنصل الوالدان عن أداء مهمتها ، فعلى الفقيه العادل أخذه منهما ، وانتداب جهة أخرى لاداء هذه المسؤولية.
وعلى هذا ، فأمر التربية لا ينحصر في الوالدين والمدرسة بحيث يربيان الاطفال كيفما اتفق ، بل ان للحكومة الاسلامية رأيا في ذلك ، وبأمكانها ان تفرض نوعا من الانسجام بين ما هو كائن ، وما لاينبغي ان يكون.
يتواصل حق التربية حتى سن 21 عاما ، وتتحول مهمة البناء من بعد ذلك اليه هو شخصيا ، وتقع على الاخرين وحتى الوالدين مسؤولية الاشراف والتوجية.
وبناءا على هذا ، فان الرقابة التربوية تمتد من لحظة ما قبل الولادة ، ومن فترة نشوء الجنين حتى نهاية العمر.
1 ـ مقدمة في التربية الاسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
أول ما نبحثه في هذا الموضوع ، هو ان نرى أصل استعمال عبارة التربية الاسلامية هل هو صحيح ام لا ؟ وهل يمكننا التحدث عن التربية من وجهة نظر اسلامية أم لا ؟ ان الاجابة على هذا السؤال تتوقف على التصور الذي نحمله عن الاسلام ، فيجب أن ـ نرى ـ أولا ما هي النظرة التي نحملها تجاه الاسلام ؟ وما هو تقييمنا له كدين وعقيدة ؟
فالاسلام ـ كما نراه ـ شريعة الهية حضارية ، أو دين له نظام شامل ينطوي على كل الابعاد والافاق الخاصة بحياة الانسان ، وله رآيه في جميع الجوانب الاجتماعية لحياة الانسان الاقتصادية والسياسية والثقافية ، سواء المعنوية منها أو الاخلاقية ، وهو يقدم لنا نظرية في الحقل التربوي بأعتباره واحدا من شؤون الحياة الانسانية بل ان عماد الاسلام هو التربية ، وان الاسلام دين التربية وبناء الانسان. نعم اننا لو اعتبرنا الاسلام دينا الهيا كاملا وخاتما للاديان ، فسنرى ان بأمكان تعاليمه ان تقدم آراء جديدة في جميع آفاق الحياة ، سواء المتعلق منها بالماضي أم بالحاضر والمستقبل ، ومن جملة ذلك الجانب التربوي أيضا.
(7)
النظام التربوي في الاسلام
يرى المتخصصون في الدراسات الاسلامية ، ان للاسلام نظاما في جميع الشؤون السياسية والثقافية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، وحتى المعنوية والاخلاقية. ومقصودنا من النظام ـ هنا ـ هو مجموعة التعاليم ، والتوجهات المنسجمة مع بعضها في طرح المواضيع المختلفة وأحد هذه النظم ، هو النظام التربوي ، وهو ـ كما نراه نظاما بناء سواء في البعد الفردي ، او البعد الاجتماعي ، اذ يتمكن الانسان في ظله من بناء ذاته ، وتزكية نفسه. أما في البعد الاجتماعي فهو ( الاسلام ) كفيل بترية الافراد الصالحين ، القادرين على العيش سوية في منتهى الوئام ، والسلام ، والاستقرار ، والتعاون ، والتكافل. ويتسم هذا النظام بسعة النظر ، والرؤية الكونية الراقية ، وبشكل لم يهمل اي شأن أو بعد من شؤون الحياة الانسانية وأبعادها الكثيرة ، او يقتصر في بيان جانب من جوانبها.
ملامح هذه الرؤية الكونية :
نجد في النظام الفكري الاسلامي سعة نظر فريدة من نوعها ونستشف منها ما يلي :
1 ـ ان هذا العالم بكل عظمته وسعته ، هو خلق الله وملك يده.
2 ـ ان الطبيعة بكل أبعادها وجوانبها ، هي كتاب الخلقة الواسع.
3 ـ ان حركة ومسار جميع الظواهر والتفاعلات قائمة على نظام العلة
(
والمعلول.
4 ـ ان الانسان مخلوق لذلك الخالق ، وهو أفضل من كثير من المخلوقات.
5 ـ وبما انه يشكل حلقة ضمن هذا النظام ، يتوجب عليه القيام بالسعي ، والتحرك الهادف.
6 ـ وهو أيضا مكلف وملزما ببناء ذاته ، وبناء الاخرين.
7 ـ ملتزم بالتدبر والتعمق في الامور ، والاخذ بما ينفعه وينفع مجتمعه.
8 ـ له أبعاد عديدة في هذا الوجود ، وكل واحد منها مصدر لكثير من الخيرات له وللمجتمع.
9 ـ أنه ليس موجودا ماديا محضا ، بل فيه نفحة من روح الله.
10 ـ ليس له القدرة على تسخير كل ما في السماء وما في الارض.
11 ـ بميسوره التسامي الى ما لا نهاية.
12 ـ لاتنحصر حياته على هذه الدنيا ، بل تمتد الى العالم الاخر.
13 ـبامكانه الاستفادة من جميع الظواهر ، يشرط ان يسلك طريق التكامل.
14 ـ ان امكانية التكامل متاحة لجميع الناس ، وبدرجات متفاوتة ، وعلى عدد الانفس البشرية.
وجهة التربية :
1 ـ يعتبر عمل المعلم في هذا النظام اكمالا واستمرار لعمل وطريق الانبياء.
(9)
2 ـ ان طريق التربية هو نفس طريق الفطرة ؛ وآحيائها يقع على عاتق المربين.
3 ـ ان التعليم ضروري والتزكية مقدمة عليه.
4 ـ يجب تقويم مسار الانسان نحو الاتجاه المطلوب ، والمطلوب هو ما يرتضيه الشرع.
5 ـ يجب ان تنصب كل الجهود والمساعي على توجيه الانسان الى السير الى الله.
6 ـ ان عمل المربي هو ترغيب الانسان بلقاء الله.
7 ـ يجب الاهتمام بالعلم ، ولكن الموجه منه فقط والمعمور بالايمان.
في النظام التربوي الاسلامي :
يعترف هذا النظام بدور كل من الوراثة والمحيط ، على حد سواء فنجد في التعالم الاسلامية تأكيدا واضحا على اختيار نوعية الزوجة ، ليكون المولود منها خاليا من النواقص الوراثية ؛ هذا من جهة ، فان التعاليم الاسلامية تؤكد ومن جهة اخرى على دور البيئة بالمعنى العام للكلمة ، بما في ذلك شروط الغذاء ، وظروف المناخ ، وأجواء المخالطة ، والاوضاع السياسية والثقافية و .... الخ والسبب الكامن وراء التأكيد على اهمية الوراثة ودور البيئة ، هو ان التربية السليمة والبيئة الصالحة يمكنها ازالة التأثيرات الرديئة ، والعكس صحيح أيضا ، اذ ان البيئة الموبوءة يمكنها الغاء الصفات الوراثية الايجابية.
يرى الاسلام ان اغلب الصفات والطبائع الخلقية ، وكل ما يستوجب
(10)
الثواب والعقاب تنتقل من البيئة الى الفرد ، وهذا هو سبب اهمية وضرورة بعث الانبياء وعمل المربين.
مصادر التعاليم التربوية :
ان المصادر الاربعة التي سنشرحها تباعا لا تخص بأمر التربية فقط ، بل تعتبر المصدر الوحيد لكافة التشريعات السياسية والاقتصادية والمعنوية والاخلاقية. ولما كان هذا الدين منزلا من الله تعالى ، والمؤتمن عليه هو النبي (ص) ، ومفسروه هم الائمة عليهم السلام ، وهؤلاء لهم معصومون من الخطأ والزلل ، اذن يمكن هنا تحديد تلك المصادر الاربعة للتربية كما يلي :
1 ـ القران : وهو كتاب الله ، وأوثق سند اسلامي ، والمصدر الرئيسي لجميع الاحكام والقوانين ، ولا يثبت امام احكامه حكم او راي.
2 ـ السنة : وتشمل قول وفصل وتقرير المعصوم ؛ ودورها بالنسبة للقران هو دور التفسير وطرح المصاديق.
3 ـ اجماع صلحاء الامة من الفقهاء العارفين بمصادر السنة ، والمعروفين بصدق القول والسداد ، بشرط ان يطرحوا من الاراء ما لا يعارض النص والسنة ، وان تتفق آراؤهم بالاجماع حول حكم ما.
4 ـ عقل الصالحين والاخيار وأهل الخبرة والفقهاء ، بشرط امتلاكهم الاسس والمبادئ المستمدة من القرآن والسنة.
موضوع التربية :
موضوع التربية هو الانسان بكل أبعاده الوجودية التي تصفها التعابير
(11)
الاسلامية بأن عددها بعدد أبعاد عالم الوجود ، ويمكن تلخيصها في الابعاد الثلاثة : البدن ، والروح ، والذهن.
أما بشأن الاسئلة المطروحة عن ماهية الانسان ، فهنالك اجابات متعددة بهذا الشأن. ويمكن القول عموما : بانه كائن مركب من المادة والمعنى ، منشأه ترابي ، وفيه نفحة ربانية ؛ له أبعاد علوية وسفلية ؛ قابل للتغيير ؛ ولديه استعداد لتحمل المسؤولية ؛ ملتزم ؛ بامكانه الوصول الى ذروة الكمال ؛ وفيه بذور القدرة على الحياة الفردية والجماعية ؛ لديه عقل وشعور ؛ ويمتلك القابلية على التفكير والارادة ، والقدرة على اتخاذ القرار ؛ مهيأ ومهيء للتسامي والتسافل على حد سواء ؛ وخلق من ماء وتراب وفيه طبائع من كلا المادتين ؛ كائن عجول وحريص ؛ اذا مسه الشر جزوع ؛ مناع للخير ؛ بخيل ؛ طماع ؛ طويل الامل ؛ له ابعاد غريزية ؛ متمرد وطاغ ... الخ.
نفخ فيه من روح الله ، وعلى هذا الاساس ففطرته مجبولة على معرفة الله وحب الخير والاحسان ، والتقوى والايثار ، والعدالة والتضحية ، والافاق الملائكية السامية.
بذور التكامل في الانسان :
ان بذور التكامل متوفرة في الانسان على الصعيدين الجسدي والروحي. فعلى الصعيد المادي خلق الانسان من تراب وماء ، واجتاز مراحل تكامله الواحدة تلو الاخرى ، من التراب الى النطفة ، ومن النطفة الى العلقة ، ومن العلقة الى المضغة ، ثم نشوء العظام في المضغة ، ثم اكتسائها باللحم ... الخ ، حتى يصير انسان كاملا.
(12)
وعلى الصعيد الروحي يمكنه استثمار ما يتهيأ له من التربية من قبيل الاذن والعين ، والفهم والادراك ، والحواس الظاهرة والخفية ، والاستفادة والتعبير ، حتى يمكنه ان يبلغ بذلك درجة اسمى من الملائكة ، فيدرك مقام القرب ويفوز بلقاء الرب.
وعلى صعيد تكامله الجسدي فتتوفر مستلزماته الخاصة به ايضا ، فهو يتحول من التراب الى النطفة حيث يدخل عالمه المحدود في رحم الام ، ثم ينتقل من هناك الى رحم الدنيا ، ثم يولد بعد الموت من جديد ويدخل عالم الاخرة ويرجع الى الله.
يتلخص عمل المربي في توفير الوسائل والامكانيات التي تتيح له السير في هذا الطريق ، ومن ثم تقويمه بالاستفادة من الوسائل المختلفة ، ومن خلال استخدام مختلف الفنون والاساليب.
(13)
في تربية الانسان
للانسان ثلاث صفات وخصائص :
1 ـ الصفات الذاتية : المنبثقة عن الخلقة والوراثة ، وهو ليس مسؤول عنها.
2 ـ الصفات والخصائص التي اكتسبها طوعا واختيارا أو عن طريق تهيئة مستلزماتها ، وهو مسؤول عنها.
3 ـ الصفات والخصائص التي اكتسبها لا اراديا من البيئة التي يعيش بها ، وهو ملزم بتهذيب نفسه من رذائلها ، والتحلي بفضائلها. ان الانسان مسؤول في جميع الاحوال عن نفسه وعن اصلاحها كمسؤولية الوالدين والمربين تجاهه. ويجب ان يفرض امر التربية عليه فرضا ، لان افتقاره للتربية يجعل منه انسانا لا اباليا ، بل وفي ذلك خطورة عليه ، وما اكثر المخاطر والعواقب الوخيمة المترتبة على انعدام التربية.
العوامل الداخلية المساعدة على التربية :
هنالك عوامل داخلية متعددة تساعد المربين والمسؤولين على تربية الاشخاص. بعض هذه العوامل يتعلق بذات الشخص ، وبعضها الاخر له علاقة بالمربي. ويمكن استعراض نماذج من تلك العوامل كما يلي :
1 ـ الارضية الفطرية أو الفطرة السليمة ، وتمتاز بالشفافية والقرب من
(14)
مصدر الفضائل.
2 ـ حب الاستطلاع ووجوده في نفس الانسان فطري ، وبأعتقاد البعض غريزي.
3 ـ حب الذات وهو ما يدفعه لكسب كل منفعة لنفسه.
4 ـ الرغبة في الرقي ، وهي رغبة نابعة من حب الذات وفيها مصلحة كبرى له ، فهي تدفعه دوما الى التطور والتكامل.
5 ـ حب العدل ، وكره الظلم والظالم ، والتعاطف مع المظلوم ، والرغبة في التضحية والايثار ، وطلب الحق ... الخ.
على من تقع مهمة التربية ؟
من البديهي ان التربية حق من الحقوق ، الطفل والتهاون فيها تقصير بحقه ، وقد وردت روايات واحاديث عديدة تؤكد صحة هذا ، المعنى ، ولكن على من تقع هذه المسؤولية ؟ وقبل الاجابة على هذ السؤال ينبغي ان نعرف أولا لمن تعود ملكية هذا الطفل ؟
ـ الطفل ليس ملكا للدولة كما يصرح بذلك انصار الفكر الشيوعي.
ـ الطفل ليس للمجتمع كما يعتقد انصار الاشتراكية.
ـ الطفل ليس ملكا للوالدين ، لانه لايحق لهما استخدام ما يشاءان من اساليب التربية.
ـ والطفل ليس ملكا لنفسه حتى يستطيع اتخاذ اي قرار بشأن نفسه وكما يحلو له.
يعتبر الطفل من وجهة نظر الاسلام ملكا لله ، وهو امانة بيد الدولة
(15)
والمجتمع والناس والوالدين ونفسه ، وتقع مسؤولية تربيته وتوجيهه الوجهة السليمة على الوالدين اولا ، ثم عليه هو شخصيا ، وواجب الدولة والمجتمع هو تقديم الخدمات له في سبيل تكامله. فلا يستساغ قتله ، أو معاقبته ، أو سجنه الا في اطار القانون والمعايير الدينية ، ومعنى ذلك عدم جواز اتخاذ اي قرار بشأنه.
استمرار حق التربية :
حق الطفل في التربية أمر مقطوع به ، واداؤه من قبل الابوين واجب ، وتقع على عاتق أفراد المجتمع مسؤولية بناء شخصيته. فان تنصل الوالدان عن أداء مهمتها ، فعلى الفقيه العادل أخذه منهما ، وانتداب جهة أخرى لاداء هذه المسؤولية.
وعلى هذا ، فأمر التربية لا ينحصر في الوالدين والمدرسة بحيث يربيان الاطفال كيفما اتفق ، بل ان للحكومة الاسلامية رأيا في ذلك ، وبأمكانها ان تفرض نوعا من الانسجام بين ما هو كائن ، وما لاينبغي ان يكون.
يتواصل حق التربية حتى سن 21 عاما ، وتتحول مهمة البناء من بعد ذلك اليه هو شخصيا ، وتقع على الاخرين وحتى الوالدين مسؤولية الاشراف والتوجية.
وبناءا على هذا ، فان الرقابة التربوية تمتد من لحظة ما قبل الولادة ، ومن فترة نشوء الجنين حتى نهاية العمر.